الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
الظهار: مشتق من الظهر وإنما خصوا الظهر بذلك من بين سائر الأعضاء لأن كل مركوب يسمى ظهرا, لحصول الركوب على ظهره في الأغلب فشبهوا الزوجة بذلك وهو محرم لقول الله تعالى: وكل زوج صح طلاقه صح ظهاره وهو البالغ العاقل سواء كان مسلما أو كافرا, حرا أو عبدا قال أبو بكر: وظهار السكران مبني على طلاقه قال القاضي: وكذلك ظهار الصبي مبني على طلاقه والصحيح أن ظهار الصبي غير صحيح لأنها يمين موجبة للكفارة فلم تنعقد منه كاليمين بالله تعالى, ولأن الكفارة وجبت لما فيه من قول المنكر والزور وذلك مرفوع عن الصبي لكون القلم مرفوعا عنه وقد قيل: لا يصح ظهار العبد لأن الله تعالى قال: {فتحرير رقبة} والعبد لا يملك الرقاب ولنا, عموم الآية ولأنه يصح طلاقه فصح ظهاره, كالحر فأما إيجاب الرقبة فإنما هو على من يجدها ولا يبقى الظهار في حق من لا يجدها, كالمعسر فرضه الصيام ويصح ظهار الذمي وبه قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة لا يصح منه لأن الكفارة لا تصح منه وهي الرافعة للتحريم, فلا يصح منه التحريم ودليل أن الكفارة لا تصح منه أنها عبادة تفتقر إلى النية, فلا تصح منه كسائر العبادات ولنا أن من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم فأما ما ذكروه فيبطل بكفارة الصيد إذا قتله في الحرم, وكذلك الحد يقام عليه ولا نسلم أن التكفير لا يصح منه فإنه يصح منه العتق والإطعام وإنما لا يصح منه الصوم فلا تمتنع صحة الظهار بامتناع بعض أنواع الكفارة, كما في حق العبد والنية إنما تعتبر لتعيين الفعل للكفارة فلا يمتنع ذلك في حق الكافر كالنية في كنايات الطلاق ومن يخنق في الأحيان, يصح ظهاره في إفاقته كما يصح طلاقه فيه. ومن لا يصح طلاقه لا يصح ظهاره كالطفل, والزائل العقل بجنون أو إغماء أو نوم, أو غيره لا نعلم في هذا خلافا وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا يصح ظهار المكره وبه قال الشافعي وأبو ثور, وابن المنذر وقال أبو يوسف يصح ظهاره والخلاف في ذلك مبني على الخلاف في صحة طلاقه وقد مضى ذلك. ويصح الظهار من كل زوجة كبيرة كانت أو صغيرة مسلمة كانت أو ذمية, ممكنا وطؤها أو غير ممكن وبه قال مالك والشافعي وقال أبو ثور: لا يصح الظهار من التي لا يمكن وطؤها لأنه لا يمكن وطؤها والظهار لتحريم وطئها ولنا عموم الآية ولأنها زوجة يصح طلاقها, فصح الظهار منها كغيرها. قال: [وإذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي أو كظهر امرأة أجنبية, أو أنت علي حرام أو حرم عضوا من أعضائها فلا يطؤها حتى يأتي بالكفارة] في هذه المسألة: فصول خمسة: أحدها أنه متى شبه امرأته بمن تحرم عليه على التأبيد: أحدها: أنه متى شبه امرأته بمن تحرم عليه على التأبيد فقال: أنت علي كظهر أمي, أو أختي أو غيرهما فهو مظاهر وهذا على ثلاثة أضرب: أحدها أن يقول: أنت علي كظهر أمي فهذا ظهار إجماعا, قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن تصريح الظهار أن يقول: أنت علي كظهر أمي وفي حديث خويلة امرأة أوس بن الصامت أنه قال لها: أنت علي كظهر أمي فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمره بالكفارة الضرب الثاني أن يشبهها بظهر من تحرم عليه من ذوي رحمه, كجدته وعمته وخالته وأخته فهذا ظهار في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء وجابر بن زيد, والشعبي والنخعي والزهري, والثوري والأوزاعي ومالك, وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور, وأصحاب الرأي وهو جديد قولي الشافعي وقال في القديم: لا يكون الظهار إلا بأم أو جدة لأنها أم أيضا لأن اللفظ الذي ورد به القرآن مختص بالأم فإذا عدل عنه, لم يتعلق به ما أوجبه الله تعالى فيه ولنا أنهن محرمات بالقرابة فأشبهن الأم فأما الآية فقد قال فيها: إذا شبهها بظهر من تحرم عليه تحريما مؤقتا كأخت امرأته وعمتها, أو الأجنبية فعن أحمد فيه روايتان إحداهما أنه ظهار وهو اختيار الخرقي وقول أصحاب مالك والثانية ليس بظهار وهو مذهب الشافعي لأنها غير محرمة على التأبيد, فلا يكون التشبيه بها ظهارا كالحائض والمحرمة من نسائه ووجه الأول, أنه شبهها بمحرمة فأشبه ما لو شبهها بالأم ولأن مجرد قوله: أنت علي حرام ظهار إذا نوى به الظهار, والتشبيه بالمحرمة تحريم فكان ظهارا فأما الحائض فيباح الاستمتاع بها في غير الفرج, والمحرمة يحل له النظر إليها ولمسها من غير شهوة, وليس في وطء واحدة منهما حد بخلاف مسألتنا واختار أبو بكر أن الظهار لا يكون إلا من ذوات المحارم من النساء قال: فبهذا أقول. وإن شبهها بظهر أبيه أو بظهر غيره من الرجال, أو قال: أنت علي كظهر البهيمة أو: أنت علي كالميتة والدم ففي ذلك كله روايتان إحداهما أنه ظهار قال الميموني: قلت لأحمد: إن ظاهر من ظهر الرجل؟ قال: فظهر الرجل حرام يكون ظهارا وبهذا قال ابن القاسم صاحب مالك, فيما إذا قال: أنت علي كظهر أبي وروى ذلك عن جابر بن زيد والرواية الثانية ليس بظهار وهو قول أكثر العلماء لأنه تشبيه بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه ما لو قال: أنت على كمال زيد وهل فيه كفارة؟ على روايتين إحداهما - فيه كفارة لأنه نوع تحريم, فأشبه ما لو حرم ماله والثانية ليس فيه شيء نقل ابن القاسم عن أحمد في من شبه امرأته بظهر الرجل: لا يكون ظهارا ولم أره يلزمه فيه شيء وذلك لأنه تشبيه لامرأته بما ليس بمحل للاستمتاع, أشبه التشبيه بمال غيره وقال أبو الخطاب في قوله: أنت علي كالميتة والدم: إن نوى به الطلاق كان طلاقا وإن نوى الظهار كان ظهارا وإن نوى اليمين كان يمينا, وإن لم ينو شيئا ففيه روايتان إحداهما هو ظهار والأخرى هو يمين ولم يتحقق عندي معني إرادته الظهار واليمين والله أعلم. فإن قال: أنت عندي, أو مني أو معي كظهر أمي كان ظهارا بمنزلة على لأن هذه الألفاظ في معناه وإن قال: جملتك, أو بدنك أو جسمك أو ذاتك, أو كلك علي كظهر أمي كان ظهارا لأنه أشار إليها فهو كقوله: أنت وإن قال: أنت كظهر أمي كان ظهارا لأنه أتى بما يقتضي تحريمها عليه فانصرف الحكم إليه كما لو قال: أنت طالق وقال بعض الشافعية: ليس بظهار لأنه فيه ما يدل على أن ذلك في حقه وليس بصحيح فإنها إذا كانت كظهر أمه, فظهر أمه محرم عليه.
|